الدلالة في اللسانيات العرفانية: منوال لانقاكر أنموذجا - دراسة لسانية تحليلية ‏

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

كلية اللغات والعلوم الإنسانية - جامعة القصيم

المستخلص

يتناول هذا البحث تصور الدلالة في إطار نظرية النحو العرفاني كما صاغها رولاند لانقاكر، أحد أبرز أعلام اللسانيات العرفانية المعاصرة. وتنبع أهمية هذا الموضوع من التحول العميق الذي أحدثته المقاربة العرفانية في دراسة اللغة، إذ تجاوزت النماذج التقليدية التي نظرت إلى اللغة بوصفها بنية شكلية مستقلة، سواء من المنظور البنيوي أو التوليدي أو التداولي، لتؤكد على أن اللغة نظام إدراكي يعكس الطريقة التي يدرك بها الإنسان العالم من حوله. وعليه تنظر اللسانيات العرفانية إلى اللغة باعتبارها مظهرا من مظاهر النشاط العقلي، وتتأسس على الترابط بين اللغة والإدراك والمعرفة. يركّز البحث على الجانب التصوري للدلالة، بوصفها نتاجًا لعمليات ذهنية معقدة تتفاعل فيها الفضاءات المعرفية والمرجعيات الثقافية والسياقية. وانطلقت الدراسة من إشكالية محورية تتعلق بكيفية بناء الدلالة في ضوء هذا التصور العرفاني، وما يميز نظرية لانقاكر من خصوصيات مقارنة بالنماذج الأخرى لا سيما من حيث اعتمادها مبدأ (الانتظام التصوري) في بناء المعنى. وقد استند البحث إلى المنهج الوصفي التحليلي، من خلال تأصيل المفاهيم النظرية المرتبطة باللسانيات العرفانية، واستعراض الخلفية الفلسفية والمعرفية التي نشأت فيها، قبل الانتقال إلى تحليل البنية النظرية لنموذج لانقاكر وتطبيقاته الممكنة. كما اعتمد البحث المنهج التحليلي المقارن من خلال تطبيق أدوات النظرية العرفانية على نص عربي تراثي يتمثل في نادرة (الغذاء بالنخالة) من كتاب (البخلاء) للجاحظ، بهدف استكشاف مدى فاعلية مفاهيم مثل: البروز، والتبئير، التخصيص، والمنظور، في تحليل البنية الدلالية للنصوص البيانية العربية. وقد مكّن هذا التطبيق من الكشف عن كيفية تموضع المتصورات الذهنية في بنية النص، وفهم الأبعاد التصويرية التي تسهم في بناء المعنى، وذلك ضمن تصور تفاعلي للدلالة يتجاوز المقاربات الشكلية التقليدية. وقد توصلت الدراسة إلى جملة من النتائج أبرزها أن الدلالة في التصور العرفاني ليست مكونًا لغويًّا معزولا، بل هي حصيلة تفاعلات إدراكية متشابكة، تتأسس على تجربة المتكلم ومرجعياته التصورية. كما أثبتت الدراسة أن نظرية لانقاكر تتيح أدوات تحليلية دقيقة قادرة على تفكيك الخطاب العربي، وإبراز البنى العميقة للمعنى فيه، بعيدًا عن الاقتصار على النحو الشكلي أو التحليل البلاغي التقليدي. وبينت أن مفهوم "الانتظام التصوري" يشكِّل محورًا نظريًّا يفسِّر كيفية بناء المعنى في اللغة من خلال ارتباطه بالشبكات المعرفية التي تحكم إدراك المتكلم وسياقات الخطاب. وقد أثبتت الدراسة كذلك جدوى توظيف النموذج العرفاني في إعادة قراءة النصوص العربية التراثية من منظور معرفي حديث، يدمج الأبعاد الذهنية والثقافية والسياقية، مما يسهم في تجديد الدراسات اللغوية والبلاغية العربية، ويؤسس لنقلة نوعية في تحليل الخطاب. كما بينت أنَّ المعالجة العرفانية تمنح إمكانات واسعة لفهم اللغة بوصفها تمثيلا معرفيًّا يبنى على التجربة الإدراكية ويوجه من خلال عمليات ذهنية فاعلة.   في ضوء هذه النتائج، خلص البحث إلى أنَّ نظرية النحو العرفاني عند لانقاكر تمثل تصورًا متكاملًا لفهم الدلالة، يقوم على الدمج بين اللغة والمعرفة، ويؤسس لنموذج وصفي وتحليلي قادر على استيعاب التنوع المعنوي في النصوص العربية، وفتح آفاق جديدة امام الدراسات اللسانية في السياق العربي المعاصر.